CCG


"الحد من انتقال عدوى كورونا من خلال أنظمة التكييف والتهوية "

10/8/2020 12:00:00 AM
news images

ما هي الخطوات التي يجب أن نتبعها لتحسين نوعية الهواء الداخلي للحفاظ على الصحة العامة؟

وفقاّ لآخر الابحاث، أظهرت ان الفيروس الذي يسبب كوفيد-19 يمكن أن يعيش في الهواء لفترة زمنية أطول من الفيروسات الأخرى، وبفترة عدوى تصل الى 16 ساعة.

من المعروف أن قطرات الرذاذ الكبيرة الناتجة عن السعال والعطس هي من الطرق الأساسية لانتقال الفيروس، لكن التنفس الطبيعي والتحدث لا يزالان يخلّقان جزيئات صغيرة (قطرات لعابية ومخاطية تسمى الهباء الجوي - الإيروسول - التي تبقى عالقة في الهواء). وحيث أننا نعلم مدى سهولة انتشار الفيروسات في الأماكن العامة؛ يجب ان نتساءل هل هناك خطوات يجب أن تتخذها المستشفيات والمدارس والمكاتب وغيرها من المباني المكتظة بالسكان لحماية الصحة العامة؟

تحدثنا مع رئيس قسم الهندسة الميكانيكية والكهربائية لمجموعة اتحاد المستشارين في دولة الإمارات المهندس ناصر الناصر لتسليط الضوء واعطاء نظرة عامة ونصائح حول الطرق المختلفة لفلترة أو تنقية الهواء وكيفية حماية شاغلي المباني من خلال تحسين نوعية الهواء الداخلي.

ما الذي أظهرته هذه الابحاث؟

قام باحثون من جامعة تولين بالتحقق من ديمومة جزيئات الهباء الجوي الصغيرة (الايروسول) ومدى قدرتها على العدوى في الهواء، واكتشفوا أن جزيئات SARS-CoV-2 التي تسبب كوفيد-19 تبقى معدية لمدة قد تصل إلى 16 ساعة مع تدهور ضئيل للغاية، مما يجعل هذه السلالة غير اعتيادية، على عكس الأنواع الأخرى من فيروسات كورونا التي تتضاءل تلقائيا بشكل أسرع.

من المهم تفسير هذه النتائج بعناية والانتباه إلى انه تم إجراء تلك الدراسات في مختبر اصطناعي متخصص، ولا يعكس تمامًا آلية تفاعل هذه الجسيمات وتأثيراتها في ظروف الحياة الواقعية. في الوقت الحالي، تعتبر منظمة الصحة العالمية أن انتقال فيروس SARS-CoV-2 عبر القطرات هي أحد الطرق الرئيسية للعدوى ولكنها لغاية الآن لا تعتبر الفايروس منقول جوا أو عبر الهواء. ورغم ذلك، يتعين علينا النظر في الآثار العملية المحتملة لما ذكر لتعزيز الصحة العامة. علاوة على ذلك، قام مركز السيطرة على الامراض (CDC) مؤخرًا بتحديث إرشاداتها حول كيفية انتقال الفيروس لتشمل الانتقال الجوي كواحد في ظل ظروف خاصة تشمل هذه الظروف المساحات المغلقة والتعرض المطول لجزيئات الجهاز التنفسي وعدم كفاية التهوية أو معالجة مع الهواء.


ما الذي يمكن فعله للحد من انتشار الفيروسات المحمولة جواً في البيئة الداخلية؟

ينتشر الفيروس بشكل أكثر شيوعًا من خلال رذاذ القطرات الكبيرة، وأكثر الطرق فعالية للحماية هي التباعد الاجتماعي واتباع تعليمات النظافة الأمنة واستخدام معدات الحماية الشخصية  (PPE)واهمها الكمامة. ومع ذلك، فإن انتقال فيروس SARS-CoV-2  عبر الهواء، من المحتمل حدوثه ويترتب عليه محاولة الحد من انتشاره من خلال التغييرات والتحسينات في تشغيل أنظمة تدفئة وتهوية وتكييف الهواء للتقليل من انتقال الفيروس.

يمكن للتهوية والفلترة التي توفرها أنظمة التدفئة والتهوية والتكييف أن تقلل من تركيز فايروس SARS-CoV-2 المحمول جواً، وبالتالي تقلل من خطر انتقال العدوى عبر الهواء. ومع ذلك، بشكل عام، لا يعد تعطيل هذه الأنظمة إجراءً موصى به لتقليل انتقال الفيروس لأن الفضاءات غير المكيّفة يمكن أن تسبب إجهادًا حراريًا للموجودين فيها وقد يقلل ذلك مناعتهم.

هناك طرق مختلفة لمعالجة وتنقية الهواء تم تطويرها أو قيد التطوير والتي يمكنها إما إزالة أو تقليل انتشار الجسيمات المعدية:

زيادة معدل التهوية

التهوية هي إمداد المبنى بالهواء الخارجي. ان زيادة معدلات التهوية تقلل من التعرض للهواء الملوث، ولكنها تزيد من تكاليف التشغيل. ان معايير تهوية المباني مثلASHRAE 62.1 ، الصادر عن الجمعية الأمريكية لمهندسي التبريد والتدفئة وتكييف الهواء، تسعى إلى تحقيق التوازن بين جودة الهواء الداخلي والترشيد في استهلاك الطاقة. وعلى الرغم من ذلك، يوصى بزيادة إمداد الهواء النقي وتقليل إعادة تدوير الهواء قدر الإمكان عندما يعمل المبنى في ظل ظروف مغايرة كالظروف الحالية المتعلقة بفيروس كورونا. وتعتمد معدلات التهوية على مساحة المبنى وأعداد شاغلي المبنى وعلى العموم ترتبط زيادة التهوية بانخفاض الأثار الصحية السلبية، ويمكن زيادة معدلات التهوية بشكل طبيعي من خلال النوافذ أو الأبواب أو ميكانيكيًا من خلال المراوح ووحدات معالجة الهواء.


فلاتر ePM1

على الرغم من أن هذه النوعية من فلاتر الهواء ليست مصممة خصيصًا لمنع انتشار الفيروسات المنقولة جواً، الا أن كفاءتها العالية في فلترة وتنقية الهواء تقّلل من المخاطر. وتعتبر بمثابة خط الدفاع الاول للحد من مخاطر انتقال الأمراض المنقولة جواً من خلال أنظمة لتدفئة والتهوية والتكييف، وذلك لأن الفيروسات عادة ما تلتصق بالجسيمات والهباء الجوي (الايروسيل) المحمولة جواً، والذي يعمل هذا الفلتر على ازالتها من الهواء.


فلاتر أو أجهزة تنقية الهواء عالية الكفاءة HEPA

تعمل هذه الفلاتر على إزالة مسببات الأمراض وتعتبر ضرورية في الفراغات الحساسة داخل المستشفيات ومباني الرعاية الصحية حيث يمكنها التقاط الجزيئات التي تحتوي على البكتيريا والفيروسات، ويمكن أن تساعد في تقليل انتقال المرض. وحيث أن الفلاتر تقوم بالتقاط هذه الجسيمات ولا تقوم بتعطيل مفعولها فعند انتهاء عمرها يجب معاملتها كنفايات بيولوجية خطرة والتخلص منها بشكل آمن واستخدام معدات الوقاية الشخصية المناسبة.


التعقيم بالأشعة فوق البنفسجية

يقلل استخدام الإشعاع فوق البنفسجي من انتقال الفيروسات والجراثيم المحمولة بالهواء، حيث تُستخدم هذه التقنية الأشعة فوق البنفسجية قصيرة الموجة (UV-C) لإبطال مفعول مسببات الأمراض والكائنات الدقيقة بما في ذلك العفن والبكتيريا والفيروسات. وتقوم هذه الأشعة بتعقيم الهواء من خلال إتلاف الحمض النووي لمسببات الأمراض المحمولة جواً، مما يبطل مفعولها المضر. ويمكن استخدامها كأجهزة قائمة بذاتها أو تركيبها في أنظمة التدفئة والتهوية والتكييف، وتستخدم بشكل تكميلي مع فلاتر HEPA  لتعقيم وتنقية الهواء في المناطق عالية الخطورة كالمستشفيات. وأظهرت الأبحاث الحديثة أن مصادر ضوء UV-C تعمل بشكل فعّال في القضاء على نشاط SARS-CoV-2   حيث انخفض عند جرعة 5 مللي جول لكل سم 2 وقلّل من انتشار الفيروس بنسبة 99٪ في 6 ثوانٍ. ولكن يجب التنويه أن التعرض المباشر للأشعة المنبعثة من هذه الأجهزة خطر ويجب إطفائها بالكامل عند صيانتها.


تأيّن الهواء

في هذا النوع من تنقية الهواء، يتم إنشاء مناخ حيوي غني عن طريق إطلاق أيونات سلبية وإيجابية، وتم استخدام التأين ثنائي القطب في السبعينيات للسيطرة على مسببات الأمراض في تصنيع الأغذية

ظهرت هذه التقنية في السبعينيات من القرن الماضي للسيطرة على مسببات الأمراض في الصناعات الغذائية، وأثبتت فعاليتها ضد تفشي أمراض السارس والنوروفيروس والعديد من سلالات الأنفلونزا. وتعمل هذه التكنولوجيا بالتقاط جزيئات الهواء وتحويلها إلى ذرات مشحونة (أيونات) قبل إطلاقها، وتلتصق هذه الأيونات بالفيروسات والبكتيريا والعفن والمواد المسببة للحساسية وتُبطل نشاطها عن طريق تفاعل كيميائي.  وتقوم هذه التقنية بتعقيم الهواء بشكل مستمر وتقلل بشكل ملحوظ وبوقت قصير كمية الميكروبات في الهواء. ويتم استخدام هذه الطريقة في العديد من المستشفيات والمباني العامة، وتتمثل ميزتها الرئيسية في سهولة أضافتها في أنظمة HVAC القائمة.


ما هي الأنظمة المستخدمة حالياً في المستشفيات في معالجة الهواء؟

تستخدم المستشفيات فلاتر ePM1 المركزية وفلاتر HEPA المركزية والموضعية والتعقيم بالأشعة فوق البنفسجية وتتطبق معدلات تهوية أعلى من المباني غير الصحية وبعضها يستخدم نظام التأين ثنائي القطب. ويتركز استخدام نظام فلترة HEPA بشكل أساسي على الأماكن الحساسة حيث يكون المرضى معرضين لمخاطر عالية، مثل غرف العمليات والعزل وتستخدم أيضا في غرف تحضير المحاليل الوريدية وذلك لتوفير البيئة النظيفة المطلوبة. أما بالنسبة لمناطق الرعاية الطبية العامة في منطقتنا، فليس من الشائع وجود أنظمة متخصصة بمعالجة وتنقية الهواء من الميكروبات. ولكن التوجه في المنشآت الطبية الحديثة هو بتبني بعض التقنيات الحديثة التي ذكرناها.

وما هي الأنظمة المستخدمة في المباني الأخرى؟

في الغالبية العظمى، لا يتم استخدام أي أنظمة أو فلاتر قادرة على إزالة مسببات الأمراض أو القضاء عليها في المباني غير الطبية. حيث أن بعض المباني تستخدم فلاتر ePM1 والبعض الآخر يستخدم نظام التأين ثنائي القطب.  تعتمد معظم هذه المباني على أنظمة التهوية بشكل أساسي لتخفيف تركيز مسببات الأمراض المحمولة في الهواء، على الرغم من أن هذه الطريقة غير فعّالة في منع انتشار الفيروسات من خلال أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء في حالة الجائحة المحمولة جواً مثل SARS-CoV-2، وخاصة في المنشآت ذات الكثافة السكانية العالية.

ما هي اللوائح والتعليمات التي تتحكم بتنقية الهواء في الأماكن المكتظة بالسكان للوقاية من الجائحة؟

لم يتم إصدار أية تعليمات ملزمة للمهندسين وأصحاب المشاريع لضرورة تنقية الهواء لمنع انتشار الفيروسات في هذه الأماكن، ورغم ذلك، تم مؤخراً إصدار بعض النصائح والتعليمات من قبل منظمات ASHRAE و CIBSE و REHVA حول كيفية تشغيل واستخدام خدمات المباني لتقليل انتشار الفيروسات من خلال أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء وأنظمة السباكة. من الواجب استشارة مؤسسات الصحة العامة الحكومية والوطنية لكل بلد لتطبيق متطلبات الأنظمة والقوانين المعمول فيها.

هل ستكون هناك لوائح وتعليمات، أو هل سيتم تطبيق المزيد من هذه الأنظمة نتيجة الجائحة؟

من وجهة نظر المهندس ناصر الناصر، أنه يجب إجراء تغييرات على القوانين والمعايير واللوائح الحالية لتواكب ما تعلمناه من هذه الجائحة، خاصة وأن العلماء يعتقدون أن الأوبئة المماثلة ستصبح أكثر شيوعًا.

بناءً على إرشادات منظمات ASHRAE و CIBSE و REHVA ، فانه يجب أيضاً دمج كل من خطط جاهزية البناء وتقييمات الأنظمة واخذها بعين الاعتبار في المواصفات وقوانين التصميم المستقبلية.

علاوة على ذلك، يجب إدخال التغييرات على تصميم أنظمة التهوية لتشمل على سبيل المثال وضع تشغيل الوبائي مدمج في عناصر التحكم حيث يتم إدخال المزيد من الهواء الخارجي، وتحل الفلاتر ذات الكفاءة العالية محل فلاتر العادية بشكل مؤقت وزيادة سرعات المروحة للتغلب على مقاومة هذه الفلاتر. بالمقابل قد يتم رفع معدلات التهوية وكفاءة الفلاتر بشكل عام وبغض النظر عن الحالة الوبائية.

من المحتمل أيضا تقييد مساحة المناطق المخدومة بنظام تكييف وتهوية واحد للحد من الانتشار. ولكن من غير المحتمل فرض استخدام أنظمة فلترة HEPA والأشعة فوق البنفسجية بشكل واسع لما تمليه هذه الأنظمة من كلف مبدئية وتشغيلية والانعكاسات البيئية.

 ما هي نصيحتك للمباني القائمة والجديدة؟

يجب استشارة مؤسسات الصحة العامة الحكومية والوطنية في كل بلد لتطبيق وتأكيد اللوائح والتعليمات الخاصة بالشركات والأماكن العامة. واتباع كافة النصائح الصادرة عن منظمات ASHRAE و CIBSE و REHVA  (المختصة في توفير الخبرة الفنية والمنتجات التعليمية والأبحاث اللازمة من أجل بيئة مريحة وصحية وموفرة للطاقة) والقيام بإنشاء خطة استعداد للمبنى وعمل تقييم لأنظمة التكييف الداخلية للحفاظ على الجودة العالية للهواء الداخلي، وذلك من اجل تقليل التعرّض لجزيئات الفيروسات المحمولة جواً. ستفوق الفائدة المحتملة على الصحة العامة خلال هذه الجائحة الانخفاض المؤقت في كفاءة الطاقة الناتج عن تطبيق هذه التدابير.


المهندس ناصر الناصر لديه أكثر من 14 عامًا من الخبرة في خدمات المباني تغطي جميع جوانب تصميم وتنفيذ وإدارة أنظمة الميكانيك والكهرباء والصحة العامة ومكافحة الحريق. تشمل مجالات خبرته منشآت الرعاية الصحية والمباني العالية الفندقية والسكنية وغيرها. وهو عضو في المعهد المعتمد البريطاني لمهندسي خدمات المباني (CIBSE) ومدير طاقة معتمد(CEM)  وأخصائي معتمد في الحماية من الحرائق من قبل الرابطة الوطنية الأمريكية للحماية من الحرائق(NFPA) . قام المهندس ناصر بتصميم العديد من المستشفيات في المنطقة وفي عام 2016، قام بتصميم أعمال الخدمات الميكانيكية لمستشفى الشيخ خليفة المركزي في مدينة الفجيرة، الإمارات العربية المتحدة، حيث قام بتطبيق جميع التقنيات التي تم ذكرها في هذه المقالة.  المشروع في المراحل النهائية من البناء وتحت إشراف المهندس ناصر الناصر وفريق عمل مجموعة اتحاد المستشارين.

المراجع موجودة في النسخة الإنجليزية.

For better web experience, please use the website in portrait mode